كَلِّلْ بَيَانَكَ بِائْتِلاقِ الغَارِ *** رِدْ بِالقَصِيدِ مَرَاشِفَ الأَنْوَارِ
وَاضْرِبْ بِأَجْنِحَةِ الخَيَالِ مُحَلِّقًا *** فَوْقَ السُّهَا فِي عَالَمِ الأَطْهَارِ
وَاسْبَحْ بِأَعْمَاقِ البِحَارِ مُفَتِّشًا *** عَنْ لُؤْلُؤٍ يَغْفُو بِجَوْفِ مَحَارِ
وَاجْعَلْ حُرُوفَكَ مِنْ ضِيَاءٍ وُشِّيَتْ *** جَنَبَاتُهَا بِرَوَائِعِ الأَزْهَارِ
لَمْ أَرْتَشِفْ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ قَاصِدًا *** أَنْ تُجْتَبَي بِنَفَائِسِ الأَشْعَارِ
مِنْ أَيْنَ أَبْدَأُ وَالمَشَاهِدُ كُلُّهَا *** عِبَرٌ لأَهْلِ الفَهْمِ وَالأَبْصَارِ
مِنْ يَوْمِ كَانَ مُحَمَّدٌ فِي قَوْمِهِ *** رَمْزَ الأَمَانَةِ لَيْسَ بِالغَدَّارِ
ثُمَّ اصْطَفَاهُ اللَّهُ مِنْ بَيْنِ الوَرَى *** لِيُطَهِّرَ الدُّنْيَا مِنَ الأَوْضَارِ
وَفَّى لِدِينِ اللَّهِ جَلَّ جَلالُهُ *** وَتَحَمَّلَ الإِيذَاءَ فِي إِصْرَارِ
وَتَحَجَّرَتْ تِلْكَ القُلُوبُ وَمَا عَسَى *** يُجْدِي الكَلامُ بِمَسْمَعِ الأَحْجَارِ
أَذِنَ المُهَيْمِنُ لِلضِّيَاءِ بِهِجْرَةٍ *** قُدُسِيَّةِ الغَايَاتِ وَالأَوْطَارِ
فِي صَفْحَةِ التَّارِيخِ يَسْطَعُ نُورُهَا *** حَدِّثْ بِلا حَرَجٍ عَنِ الأَسْرَارِ
يَا عُصْبَةَ الشِّرْكِ الَّتِي مِنْ جَهْلِهَا *** ضَاقَتْ وَرَامَتْ مَقْتَلَ المُخْتَارِ
جَاؤُوا بِفِتْيَانِ القَبَائِلِ مِلْؤُهُمْ *** حِقْدٌ تَأَجَّجَ عِنْدَ بَابِ الدَّارِ
فَإِذَا العِنَايَةُ بِالحَبِيبِ تَرُدُّهُمْ *** سُودَ الوُجُوهِ تَسَرْبَلُوا بِالعَارِ
مَرَّ الهُدَى مِنْ بَيْنِ أَنْيَابِ اللَّظَى *** يَحْثُو التُّرَابَ بِأَوْجُهِ الكُفَّارِ
يَا سَيِّدِي فَارَقْتَ مَكَّةَ مُرْغَمًا *** تَأْسُو الجِرَاحَ بِقَلْبِكَ المَوَّارِ
لَكِنَّهُمْ لَمْ يَتْرُكُوكَ وَأَمْعَنُوا *** فِي غَيِّهِمْ بِتَعَقُّبِ الآثَارِ
وَصَلُوا إِلَيْكَ بِغَارِ ثَوْرٍ بَيْنَمَا *** كَانَتْ تَحُوطُكَ حِكْمَةُ الأَقْدَارِ
وَقَفُوا تُعَرْبِدُ فِي الصُّدُورِ عَقَارِبٌ *** عَزَّتْ عَلَيْهِمْ نِعْمَةُ الإِبْصَارِ
هِيَ قِصَّةٌ لِلمُؤْمِنِينَ مَنَارَةٌ *** لَيْسَتْ تُمَلُّ بِكَثْرَةِ التَّكْرَارِ
فِي مُحْكَمِ القُرْآنِ خُلِّدَ ذِكْرُهَا *** تُتْلَى دَوَامًا (إِذْ هُمَا فِي الغَارِ)
أَنَا لَسْتُ أَنْسَى وَالبُطُولَةُ مَوْقِفٌ *** مُتَلأْلِئٌ رَهْطًا مِنَ الأَبْرَارِ
هَذَا عَلِيٌّ فِي فِرَاشِ المُصْطَفَى *** يَفْدِيهِ مِنْ سَيْفِ العِدَا البَتَّارِ
وَمَنَاقِبُ الصِّدِّيقِ جَلَّ بَهَاؤُهَا *** قَدْ أَهَّلَتْهُ لِصُحْبَةِ المُخْتَارِ
(أَسْمَاءُ) تَأْتِي بِالطَّعَامِ إِلَيْهِمَا *** وَشَقِيقُهَا مُتَعَهِّدُ الأَخْبَارِ
مَوْلَى (أَبِي بَكْرٍ) يُسَمَّى (عَامِرًا) *** فِي رَعْيِهِ يُعْفِي عَلَى الآثَارِ
يَا (أُمَّ مَعْبَدَ) طَابَ ذِكْرُكِ فِي الوَرَى *** وَالخَيْرُ فَاضَ بِمَقْدَمِ الأَخْيَارِ
إِنْ كَانَتِ النُّوقُ الكَثِيرَةُ ثَرْوَةً *** تُغْرَى بِهِنَّ عَزِيمَةُ المِغْوَارِ
فَاسْأَلْ (سُرَاقَةَ) كَيْفَ سَاخَتْ أَرْجُلٌ *** لِجَوَادِهِ مُتَيَقِّنًا بِبَوَارِ
وَاسْأَلْهُ عَنْ سِرِّ الرُّجُوعِ مُخَذِّلًا *** لِلطَّامِعِينَ بِذَلِكَ المِضْمَارِ
هَلْ كَانَ صَدَّقَ مِنْ طَرِيدٍ وَعْدَهُ *** مِنْ مُلْكِ كِسْرَى تُجْتَبَى بِسِوَارِ
جَاءَ الحَبِيبُ إِلَى المَدِينَةِ رَحْمَةً *** أَنْوَارُهَا تَسْرِي إِلَى الأَقْطَارِ
جَاءَ الحَبِيبُ هِدَايَةً وَكَرَامَةً *** بَعَثَتْ بِهِنَّ عِنَايَةُ الأَقْدَارِ
مِنْ نُورِهِ لَمَّا أَهَلَّ عَلَى الرُّبَى *** أَغْضَتْ حَيَاءً طَلْعَةُ الأَقْمَارِ
نُورُ النُّبُوَّةِ حَلَّ بَيْنَ رُبُوعِهَا *** وَتَشَرَّبَتْهُ قَبَائِلُ الأَنْصَارِ
طُوبَى لَهُمْ لَمَّا وُقُوا شُحَّ النُّفُو *** سِ وَخُلِّدُوا فِي الذِّكْرِ بِالإِيثَارِ
صَارُوا وَمَنْ قَدْ هَاجَرُوا أُسْطُورَةً *** عَزَّ النُّضَارُ إِذِ الْتَقَى بِنُضَارِ
طُوبَى لَهُمْ لِمَّا تَعَاظَمَ رَكْبُهُمْ *** فَتَحُوا الرُّبُوعَ بِجَحْفَلٍ جَرَّارِ
وَاللَّهُ أَيَّدَهُمْ وَبَارَكَ سَعْيُهُمْ *** نَثَرُوا الهُدَى وَرْدًا عَلَى الأَمْصَارِ
الكاتب: وحيد حامد الدهشان.
المصدر: موقع الألوكة.